من روائع ابن القيم في الصبر والشكر - حكم وأقوال ابن القيم
من روائع ابن القيم في الصبر والشكر
من دقيق نعم الله على العبد التى لا يكاد يفطن لها انه يغلق عليه بابه فيرسل الله اليه من يطرق عليه الباب يسأله شيئا من القوت ليعرفه نعمته عليه وقال سلام بن أبى مطيع دخلت على مريض أعوده فاذا هو يئن فقلت له أذكر المطروحين على الطريق أذكر الذين لا مأوى لهم ولا لهم من يخدمهم قال ثم دخلت عليه بعد ذلك فسمعته يقول لنفسه أذكرى المطروحين في الطريق اذكرى من لا مأوى له ولا له من يخدمه
وفي حديث نبوي:"سلوا الله العفو والعافية والمعافاة" وهذا السؤال يتضمن العفو عما مضى والعافية في الحال والمعافاة في المستقبل بدوام العافية واستمرارها وكان عبد الأعلى التيمى يقول أكثروا من سؤال الله العافية فإن المبتلى وان اشتد بلاؤه ليس بأحق بالدعاء من المعافي الذى لا يأمن البلاء وما المبتلون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس وما المبتلون بعد اليوم إلا من أهل العافية اليوم.
ثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكله فيحمده عليها ويشرب الشربه فيحمده عليها" فكان هذا الجزاء العظيم الذى هو أكبر أنواع الجزاء كما قال تعالى ورضوان من الله أكبر في مقابلة شكره بالحمد وذكر ابن أبى الدنيا من حديث عبد الله بن صالح حدثنا أبو زهير يحيى بن عطارد القرشى عن أبيه قال قال رسول الله: "لا يرزق الله عبدا الشكر فيحرمه الزيادة" لأن الله تعالى يقول لئن شكرتم لأزيدنكم وقال الحسن البصرى: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا" ولهذا كانوا يسمون الشكر الحافظ لأنه يحفظ النعم الموجودة والجالب لأنه يجلب النعم المفقودة وذكر ابن أبى الدنيا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال لرجل من همذان: "إن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد"
وقال عمر بن عبد العزيز قيدوا نعم الله بشكر الله وكان يقال الشكر قيد النعم وقال مطرف بن عبد الله "لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن ابتلى فأصبر" وقال الحسن "أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكر" وقد أمر الله تعالى نبيه أن يحدث بنعمة ربه فقال وأما بنعمة ربك فحدث والله تعالى يحب من عبده أن يرى عليه أثر نعمته فإن ذلك شكرها بلسان الحال..
الصبر عن معاصى اللسان والفرج من اصعب أنواع الصبر لشدة الداعى إليهما وسهولتهما فإن معاصى اللسان فاكهة الإنسان كالنميمة والغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا وحكاية كلام الناس والطعن على من يبغضه ومدح من يحبه ونحو ذلك فتتفق قوة الداعى وتيسر حركة اللسان فيضعف الصبر ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "امسك عليك لسانك" فقال "وانا لمؤاخذون بما نتكلم به" فقال صلى الله عليه وسلم "وهل يكب الناس في النار على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم" ولا سيما اذا صارت المعاصى اللسانية معتادة للعبد فإنه يعز عليه الصبر عنها ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع من استناده إلى وسادة حرير لحظة واحدة ويطلق لسانه في الغيبة والنميمة والمفكه! في أعراض الخلق وربما رخص أهل الصلاح والعلم بالله والدين والقول على الله ما لا يعلم وكثير ممن تجده يتورع عن الدقائق من الحرام والقطرة من الخمر ومثل رأس الإبرة من النجاسة ولا يبالى بارتكاب الفرج الحرام كما يحكى أن رجلا خلا بامرأة أجنبية فلما اراد مواقعتها قال يا هذه غطى وجهك فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام وقد سأل رجل عبد الله بن عمر عن دم البعوض فقال انظروا إلى هؤلاء يسألونى عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله
واتفق لى قريب من هذه الحكاية كنت في حال الإحرام فأتانى قوم من الأعراب المعروفين بقتل النفوس والإغارة على الأموال يسألوني عن قتل المحرم القمل فقلت يا عجبا لقوم لا يتورعون عن قتل النفس التى حرم الله قتلها ويسألون عن قتل القملة في الاحرام.
والمقصود أن اختلاف شدة الصبر في أنواع المعاصى وآحادها يكون باختلاف داعيه إلى تلك المعصية في قوتها وضعفها...
التعاليق